
في "الكرصة".. الصابئة يستبشرون بتحقيق تمثيلهم في الدولة
بغداد – العالم الجديد
مع غروب الشمس من يوم غد الأحد، يبدأ أبناء المكون الصابئي المندائي بإغلاق أبوابهم ونوافذهم وصنابير المياه، ليدخلوا بعزلة عن العالم الخارجي تمتد لـ36 ساعة، وتسمى باللغة الآرامية "الكرصة"، وهي العيد الكبير للصابئة.
تفرض "الكرصة" شروطها على أبناء المكوِّن من صغيرهم إلى كبيرهم دون استثناء، وتتمثل بمنع أي تواصل مع العالم الخارجي ومنعهم من استخدام الماء الجاري، ما يدفعهم إلى ملء الأواني بالمياه لغرض استخدامها خلال مدة وجودهم في المنازل، فضلا عن منعهم من استخدام أدوات الحلاقة وغيرها من أمور الزينة، وعليهم أيضا أن يحافظوا على أنفسهم من التعرض لأي جرح، لأن خروج الدم من الممنوعات أيضاً.
ويعد التعميد من أهم ركائز الديانة المندائية، ويشتمل هذا الطقس على نزول الشخص للماء الجاري، برفقة رجل دين، وقراءة آيات من كتاب "الكنزا ربا" المقدس، ويتم ذلك بملابس بيض خاصة تسمى "الرستة"، وهذا الزي الخاص بالتعميد، يرتديه النساء والرجال والأطفال.
وتتجه أغلب العوائل المندائية إلى التعميد رجالا ونساء وأطفالا، مع توزيع الوجبات الغذائية (ثواب) وإهدائها إلى أرواح الموتى، نظرا إلى أن التعميد فرض في الديانة المندائية على كل إنسان منذ ولادته.
ويمثل عيد "الكرصة"، العيد الكبير للصابئة المندائيين، وحسب المفهوم الديني، فهو بداية السنة المندائية الجديدة وبداية تكوين العالم المادي، وتتضمن طقوسه، بالإضافة للاعتكاف في المنازل، التعميد في المياه وطلب الغفران للمتوفين، وتسمى بداية الاعتكاف، والتي تصادف يوم غد الأحد، باللغة الآرامية (كنشو زهلي) ومعناها "نظف واختبئ"، كما صرح رئيس طائفة الصابئة المندائيين في العراق والعالم الشيخ ستار جبار الحلو.
وبمناسبة العيد المهم بالنسبة لأتباع الديانة الرافدينية القديمة، التقت "العالم الجديد" بالحلو، الذي تطرق إلى العديد من الملفات التي تخص أبناء المكون، بدءا من حجم تمثيلهم داخل مؤسسات الدولة، التي يرى بأنها لا زالت غير مرضية، ويؤكد أن "المكون الصابئي عانى الكثير من التهميش والإقصاء خلال السنوات الماضية، خصوصاً في مسألة التمثيل داخل مؤسسات الدولة، لا سيما المهمة والحساسة".
ويستدرك بالقول "لكن الحكومة الحالية، شهدنا معها نوعا من رفع الحيف والتهميش والإقصاء، كما أن هناك وعودا من قبل رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني بإنهاء هذا الإقصاء"، دون أن يوضح أية تفاصيل أخرى.
وفيما يخص عقارات أبناء المكون المستولى عليها، يبين رئيس الطائفة، أن "هناك حراكا ولجانا حكومية وبرلمانية تعمل على استعادة عقارات المكون الصابئي التي تم الاستحواذ عليها، كما تمكنت تلك الجهود من إعادة عدد ليس بالقليل من تلك العقارات"، لافتا إلى أن هناك لجانا مشتركة ما بيننا وبين مكتب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، أيضا تعمل على استعادة عقارات المكون الصابئي".
يذكر أن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وجه مكتبه الخاص باستلام قضايا الصابئة ومتابعتها، جاء ذلك بعد طلبهم منه بالتدخل لإرجاع أملاكهم "المغصوبة" على غرار موقفه من المسيحيين.
وبشأن الهجرة والنزوح، يوضح رئيس الطائفة أن "المكون الصابئي، ليس لديه نازحون داخل العراق، إذ أن الذين نزحوا تقريبا 30 عائلة وعادوا سريعا لمناطقهم الأصلية، لكن هناك الآلاف من أبناء المكون الصابئي خارج العراق وخصوصاً في الأردن وتركيا، وهم يعيشون أوضاعا صعبة جداً على مستوى المعيشة، وهؤلاء ينتظرون فرصة الحصول على اللجوء، كما أن البعض منهم يريد العودة، لكن أمورهم المادية لا تساعدهم على ذلك، فهم لا يملكون مسكنا داخل البلد حتى يعودوا إليه".
وكان رئيس كتلة الصابئة المندائية أسامة البدري، أكد أن ملف استعادة عقارات الطائفة المغتصبة بحاجة إلى وقت، مشيرا إلى أن هناك عقارات في بغداد وميسان تعود للطائفة تم اغتصابها منذ عام 2003.
وللصابئة 4 أعياد رئيسة ومناسبات عدة أخرى، الأول هو عيد الخليقة (البرونايا) وفيه خلق الخالق عوالم النور العليا، ويستمر لمدة 5 أيام، والثاني هو عيد التعميد الذهبي، في ذكرى الولادة الروحية لنبيهم يحيى بن زكريا، بالإضافة إلى العيد الكبير الذي يصادف في شهر تموز ويستمر 7 أيام، وهو بداية الخلق، وفيه بدأت الدقائق والساعات والأيام، والأخير عيد الازدهار، وهو العيد الصغير، ففيه قام الحي العظيم بخلق الأزهار والأثمار والطيور والحيوانات، وبالإضافة إلى هذا خلق آدم وحواء، وهذا العيد يعتبر بداية نشوء الخلق، وفقا لعقائدهم.
ويعد جنوب العراق موطنا للصابئة منذ آلاف السنين، إذ تمركزوا قرب الأنهار والأهوار، لارتباط طقوسهم الدينية بالماء، لكن اليوم يندر تواجدهم هناك بعد هجرة أغلبهم موطنهم الأصلي، والاستقرار في بلدان اللجوء أو مناطق أكثر أمنا في إقليم كردستان.
وواجه أبناء الديانة في العراق بعد 2003، الكثير من التحديات التي هددت بقاءهم كأحد أبرز الأقليات الدينية في بلاد الرافدين، بينها القتل والسلب، لكونهم يعملون في صياغة الذهب، ما عرضهم إلى السرقة والاختطاف بشكل مباشر ومستمر، وهذا الأمر أدى إلى هجرة شبه جماعية باتجاه الغرب.
من جهتها، تبين عضو مجلس شؤون الصابئة المندائيين، الناشطة فائزة سرحان، خلال حديث لـ"العالم الجديد"، أن "المكون الصابئي لديه ممثل واحد فقط في مجلس النواب، ولدينا مستشار واحد في الحكومة الجديدة، وهذا الأمر يبشر بالخير، ونأمل زيادة تمثيل المكون الصابئي في الدولة خلال المرحلة المقبلة، لكن ليس لدينا أي تمثيل سياسي في حكومة إقليم كردستان".
وتتابع سرحان، أن "السعي متواصل مع الجهات الحكومية والأمنية من أجل إعادة عقارات واملاك المكون الصابئي، التي تم الاستلاء عليها من قبل بعض الجهات والشخصيات، ونتمنى أن يكون هناك اهتمام بشريحة كبيرة مهمة من التنوع العراقي بالمكون الصابئي، كما أن هذا التنوع مهم، لذا نريد إنصاف حقيقي للمكون على كافة الأصعدة، وليس فقط الصعيد السياسي".
وتدعو عضو مجلس الشؤون إلى "تفعيل وتشريع قوانين حازمة تحمي حقوق المكون الصابئي، خصوصاً مع وجود هجرة كبيرة لأبنائه خارج العراق، بالتالي يجب إيجاد بقعة من الأرض تحمي أبناء المكون، خاصة وأنه يفتقد لنظام العشيرة، والقانون السائد في العراق هو العرف العشائري، لذلك نريد نسعى لتطبيق القانون وسيادته، ليكون هو الحامي لحقوق جميع العراقيين".
ومنذ عام 2003، تمكن أبناء الطائفة من تثبيت وجودهم في دول مثل السويد وألمانيا وأستراليا وأميركا، وهناك بنوا معابدهم "المندي" وحصلوا على رخصة رسمية لممارسة طقوسهم وتلبية كافة احتياجاتهم من قبل تلك الدول.