الحب الشيوعي

الحب الشيوعي

كتب الشاعر الفرنسي بول إيلوار  الذي بدأ سريالياً وانتهى ماركسياً في قصيدة شهيرة ذات يوم: (تلك التي أحب/ تجسّدُ رغبتي في حياةٍ بلا حسرةٍ/ في حياةٍ بلا ألمٍ/ في حياةٍ بلا موت/ ولأنه ليس ثمة حياة أخرى فإنها لَحَياةٌ رائعة). لكنّ اللجنة الإعلامية للحزب الشيوعي الأردني كتبت قبل أيام في موقع لها على
...

كتب الشاعر الفرنسي بول إيلوار  الذي بدأ سريالياً وانتهى ماركسياً في قصيدة شهيرة ذات يوم: (تلك التي أحب/ تجسّدُ رغبتي في حياةٍ بلا حسرةٍ/ في حياةٍ بلا ألمٍ/ في حياةٍ بلا موت/ ولأنه ليس ثمة حياة أخرى فإنها لَحَياةٌ رائعة).

لكنّ اللجنة الإعلامية للحزب الشيوعي الأردني كتبت قبل أيام في موقع لها على الإنترنت مقالا بعنوان (الحب من منظور ماركسي) بينت فيه موقفها من الرابطة المباشرة والطبيعية الضرورية للإنسان وهي علاقة الرجل بالمرأة،  وفي ضوء هذه العلاقة يمكن للمرء أن يصدر حكماً عن درجة التطور الكلي للإنسان. ويتبعُ ذلك أن خاصية هذه العلاقة هي التي تقرر إلى أي حدٍ قد اقترب الكائن البشرى من نفسه كإنسان، والى أي حد قد استوعبها. إن العلاقة بين الرجل والمرأة هي الرابطة الأكثر طبيعية بين مخلوق بشري وآخر، ولذلك فأنها تُظهِرُ إلى أي مدى يصبح فيه السلوك الطبيعي للإنسان إنسانياً، أو إلى أي مدى يصبح فيه الجوهر الإنساني في الإنسان جوهراً طبيعياً. والى أي مدى يكون فيه الإنسان في وجوده الفردي كائناً اجتماعياً في الوقت ذاته.

كل هذا لسنا مختلفين فيه كما لا تختلفُ نظرة الماركسية إلى علاقة الحب عن نظرتها إلى العلاقات الاجتماعية الأخرى. فمقدار إنسانية العلاقة يحدده مدى تجرد تلك العلاقة من صفتها السلعية، ومدى قدرة أطراف العلاقة على النظر إلى بعضهم بوصفهم بشراً فحسب غير مغمورين بالقيمة التبادلية الاقتصادية التي تحكم علانيةً أو سراً كلّ علاقةٍ اجتماعية حتى علاقة الحب. فالحب إذن في المنظور الماركسي مضمون اجتماعي، وهو بنية فوقية أيضاً، شأنه شأن السياسة والدين والأخلاق والعلم والفن. وهو انعكاس جدلي للبنية التحتية أي للعملية الاقتصادية. كما إن مضمون هذا الحب سيظلّ مرتبطاً بنضال المرأة في سعيها للمساواة الاجتماعية والاقتصادية بالرجل فلا يوجد حبٌ أصيلٌ بين أعلى وأدنى.

لكن لماذا هذا المقال وفي هذه الفترة ؟ هل يطمح الحزب مثلا إلى تأطير العلاقة الإنسانية السامية المسماة بالحب ضمن منظوره الأيديولوجي في اطار المجتمع الأردني الراهن، أم إنه يا ترى يقدم فقط درسا نظريا في مسألة الحب، لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بما يحدث اجتماعيا في الأردن خاصة وفي العالم العربي عامة؟

في الحالتين كما اعتقد، يجب تثمين هذه المبادرة الشجاعة للحديث بمثل هذا الوضوح في مسألة حساسة مثل الحب بين الرجل والمرأة خصوصا وانها صادرة عن حزب شيوعي في بلد عربي.

لكنّ الملاحَظُ إنه ثمة التباس حقيقي في خطاب الحزب الشيوعي الأردني حول الحب هذا. فقد ربط ما بين الحب والزواج، وإن الأول بالضرورة يؤدي إلى الثاني، في ميكانيكية اجتماعية ربما تليق بالحتمية التاريخية على مستوى الفلسفة الماركسية. فإذا كانت الماركسية قد أدانت كل أنواع العلاقات البورجوازية في الاقتصاد والمجتمع، فإنها أدانت أيضاً (التمرد الفوضوي على الزواج البورجوازي) من خلال علاقات الحبّ الحرّ  غير الشرعية خارج إطار الزواج، وكيف أن الشقاء والتمرد صارا خاصيتين ملازمتين للحب. كما أدانت الدعوات المتطرفة المطالبة بمشاعة النساء كرد فعل على بؤس الزواج البورجوازي، في حكم إن ذلك سيؤدى إلى (إباحةٍ معّمقةٍ تفضي باسم الحب الحر إلى بغاءٍ عامٍ).

أيضا قد لا نختلف هنا، على الورق ربما، ولكن لو خرجنا من الورق إلى الواقع العياني المعاش، لَهالَنا أن نجد إلى أي حد مزرٍ قد آلت إليه وضعية المرأة عموما في العالم العربي (نستثني من ذلك تونس) من حيث قانونية أحوالها الشخصية ناهيك عن مستجدات واقع الزواج والتزويج عند العرب الآن من انتشار واضح بات مقبولا للزواج العرفي وزواج المتعة وزواج المسيار والزواج السفري أو  زواج المسفار وزواج الفريند وأخيرا وليس آخرا زواج الجهاد.

في زواج المسيار أو  زواج الإيثار ، يتزوج الرجل المسلم  زواجا شرعيا مكتمل الأركان من رضا الزوجين وولي الأمر والشاهدين وتوافق الزوجة على التنازل عن حقوقها الشرعية في الزواج مثل السكن والمبيت والنفقة. أما في زواج المسيار وهو نوع من الزواج يتم خلال السفر إلى الخارج في عطلة الصيف بين سيدات ورجال الأعمال بصحبة زوجة أو زوج مؤقتاً، فإن العلاقة هذه تنتهي بمجرد انتهاء الإجازة والعودة من السفر.

يقرُّ  كل من ماركس وإنجلز  كما يقر الحزب الشيوعي الأردني بحسب ما ورد في مقاله المشار اليه، إن التراكم المعرفي قد يولّدُ نظرةً كليةً جديدةً نسبياً للحب، يكون لها أثرها المهم في العلوم الاجتماعية فضلاً عن علم النفس، فنقرر عند ذاك هل الحب ضرورة طبيعية لابدّ منها تتعلق بالتجاور البيولوجي بين الكائنات الحية عموماً وبين بني الإنسان خصوصاً،  أم هو تعبير عن حاجة الإنسان لكسر طوق عزلته الكونية بتوجيه مشاعره نحو موضوع يخفف عزلته؟ فهل عرف أو  توقع مؤسسا الماركسية تلك الأنواع التي ذكرناها من الزيجات القائمة والمعمول بها عند عرب العالم اليوم وبضمنهم طبعا ذلك المجتمع الذي ينحدر منه الحزب الشيوعي الأردني؟ إن كانا قد فعلا حقا فعلى الحزب -وعلى غيره من الأحزاب العربية ذات المنزع اليساري الماركسي اللينيني -أن يعلمنا كيف نتفهم ذلك، وإن كان مؤسسا الماركسية لم يفعلا ذلك أبدا، فعلى الأحزاب التقدمية اليسارية الشيوعية العربية أن تنزل قليلا إلى أرض الواقع وتناقش وتضع حلولا لسنِّ قوانين للأحوال الشخصية في كل قطر عربي، تحفظ كرامة الحبيبين والزوجين بعد أن ترفع من مستوى التعامل مع المرأة من الكائن السلعة إلى الكائن الإنساني الكامل المساوي الحرّ.