ثقافة
وقع الروائي العراقي نوزت شمدين روايته الجديدة (شظايا فيروز) في العاصمة النرويجية أوسلو وسط حشد من المثقفين العراقيين والعرب الذين اكتظت بهم قاعة مكتبة (الديرادو) وسط المدينة بحفل توقيع اقيم برعاية منتدى الرافدين الثقافي في النرويج.
وجرى الحوار على مدى ثلاث ساعات بإدارة الروائي محمد سيف المفتي، ناقشا خلالها الرواية الصادرة مطلع العام الجاري عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، بعد ان قرأ شمدين أجزاء منها بتفاعل من الحضور الذين طرحوا الكثير من الاسئلة خصوصا وان العمل يتحدث عن حقبة معاشة أحدثت الكثير من التداعيات في العراق.
وذكر نوزت شمدين ان روايته التي رشحتها المؤسسة العربية لجائزة البوكر سنة 2018، ذات مسارين، الأول يتعلق بمأساة الايزيدية جاءت في سرد بضمير الآنا، والثاني بما جرى لمدينة الموصل بسرد راو عليم. وفي كل مسار هنالك الواقعي الذي يقابله المتخيل. وهو ما سبق وان ابدع به في روايته (سقوط سرداب) 2015 التي وقع نسختها الكردية في ذات الجلسة.
العمل يتحدث عن شاب عربي مسلم من قرى غربي الموصل يدعى(مراد) يكتفي بسبب حواجز الدين واللغة والأعراف الاجتماعية بمراقبة ( فيروز) الشابة الإيزيدية التي تبيع البصل الابيض على جانب الطريق القريب من قريته. ويبقي قصة حبه حبيسة جدران قلبه حتى يهاجم تنظيم داعش الارهابي غربي الموصل ويأخذ النساء الايزيديات سبيات وبينهم فيروز، فلا يجد سبيلاً سوى الاستعانة بإقرباء له في التنظيم ليبايعه ويفتش عنها بهدف تحريرها.
يقول نوزت شمدين خلال الحفل "كنت واعياً منذ البداية الى ان كتابا آخرين ربما سيلجأون الى طرح قضية السبي الايزيدي بنفس الاطار تقريبا، لذا عمدت الى الانحراف بزاوية القص نحو الموصل وشرح طبيعة الحياة في الموصل ابان الغزو الداعشي، والبناء التنظيمي للدولة الإسلامية من الداخل، وطرح مسألة الفقه الذي يعتمدوه لارتكاب كل الجرائم المعروفة عنه، مع طرح والإجابة عن السؤال الكبير، لماذا داعش في الموصل؟".
ويشير الى أن تعدد الثقافات التي يتمتع بها تسهم الى حد كبير في تعزيز مقدرته الروائية، فهو من عائلة شمدين آغا الكردية التي كان افراد منها نوابا في البرلمان العراقي ووزراء ممثلين عن لواء الموصل منذ تأسيس الدولة العراقية، ولغاية قيام الجمهورية العراقية في نهاية خمسينيات القرن المنصرم، واشهرهم (حازم بك شمدين او كما يعرف بأبي الفقراء وكذلك محمد شمدين آغا)، ولد وأكمل دراسته وتزوج في مدينة الموصل التي بقي فيها أربعين سنة، قبل ان ينتقل وقبل اسابيع من احتلال داعش للموصل في حزيران 2014 ترافقه اسرته الصغيرة الى مملكة النرويج، ومن هناك بدا جولة مكوكية طاف بها ارجاء اوربا وعدد من البلدان الافريقية ليطرح خلال عشرات المؤتمرات والندوات على مدى ثلاثة سنوات قضية الموصل وتوضيح صورة ما جرى فيها للعالم.
ويتابع: "انا محظوظ أيضا لأنني أتقن أربع لغات، وعملت لأكثر من عشرين سنة في الصحافة، مع ثمان سنوات من المحاماة".
وبين بان ما تمتاز به أيضاً روايته (شظايا فيروز) عن روايات عراقية صدرت خلال نفس الفترة، انها جمعت كل شيء في سلة وجع واحدة، وتجاوزت المسكوت عنه فيما يخص الدين ودعت بنحو واضح الى رؤية جديدة بعيدا عما وصفها من خلال شخوصه بخرافات ما بعد صدر الاسلام، وإتباع رؤية ونهج اناس عاشوا بعد عصر النبي وتحديدا من قال بانهم: " لم يزرقوا بأبرة، لم يطلعوا على ملكوت الله عبر نافذة طائرة، لم يجيبوا على مكالمة هاتف، لم يشاهدوا نشرة أخبار. فكيف بنا ان نسلمهم أمورنا. واحدهم لو فتح عينيه في عصرنا هذا فقد عقله من التطور الذي وصلت اليه البشرية، او في الأقل لن يؤمن مطلقاً بما فخخ العقول به!!".
ويشير نوزت شمدين أيضا الى ان الشخصية الرئيسية (الحاج بومة) هي الامتياز الكبير الاخر في روايته، والحاج بومة هو شخص بدا منذ ان كان في الخامسة من العمر بتدوين أسماء الموتى وعناوينهم وتواريخ وفاتهم، وحافظ على مهنته لـ 65 سنة متتالية حتى ملأ غرفة كبيرة من السجلات في منزله أطلق عليها( المقبرة) في صباه تطير الناس منه وأطلقوا عليه أسم( بومة) وعندما تولى حزب البعث السلطة قيد بوظيفة ليبقى امام العين فأخذ الناس يلقبونه بـ(الرفيق بومة) وعندما اعلنت الدولة الاسلامية في الموصل تم تعيينه مسؤولا عن سجل الوفيات وأصبح معروفا في الموصل بـ(الحاج بومة).
تدخل الرواية مع (الحاج بومة) اجواء فلسفية، وتقليب لملفات المجتمع العراقي بنحو عام وكذلك الاسلوب الامثل لمقاومة التطرف الناشئ حديثاً قياسا بعمر عراقي مليء بالتعايش السلمي بين جميع مكوناته.
من جهته ذكر محمد الضمداوي رئيس منتدى الرافدين الثقافي أن المنتدى يستضيف للمرة الثانية الروائي العراقي (نوزت شمدين)، فقد سبق وان وقع في جلسة مماثلة قبل نحو سنتين روايته (سقوط سرداب). مبيناً ان ذلك جزء من سياسة المنتدى في التعريف بمبدعي العراق للجاليات العربية الاخرى في النرويج والاحتفاء بهم او جمعهم بمتابعيهم وجها لوجه. وقال بان منتدى الرافدين منح شمدين درعه تثمينا للجهود الابداعية التي يبذلها، ونشاطه الدؤوب في طرح ما يعانيه العراق بنحو عام في اوربا بوطنية خالصة عرفت عنه بعيداً عن اي تعصب او ولاء طائفي او قومي محدودين.
هذا ووقع نوزت شمدين في ذات الجلسة النسخة الكردية من روايته (سقوط سرداب) الصادرة هذا العام عن دار (أنديشة) في السليمانية، ترجمة صباح إسماعيل.
تمكن نوزت شمدين من خلق خيمة جمعت كل العراقيين تحت ظلها، و شعور مشترك بالوجع العراقي. وانهى الجلسة محمد سيف المفتي بمناشدة للتكاتف العراقي، وجاءت الخاتمة بشعر للشاعر الموصلي عمر العناز:
أَنتُم منائرُها الأعلى، فلا تَهِنُوا..
لأنكم فَوْقَ ماكادوا، ومافَتَنوا
غداً تَشيدونها" الحَدباءَ " شامِخةً
لا بل غدا نشيدها " الحدباء " شامخة
يُطأطِئ الهامَ إكباراً لها الزَمَنُ.